نوافح الحسن و سوافي الحرب
هاتان العينان ستكونان سبب سعادتك وسبب شقائك !)). هكذا فاهت ساحرة جيزان بهذه العبارة مخاطبة زرقاء اليمامة فعاشت الأخيرة سعيدة حديدة البصر حتى اكتشف الأعداء أمرها فاجتاحوا قومها عن طريق الخداع ووقعت في الأسر وأصدر كبير الغزاة أمره أن تفقأ عيناها !! وفي ظلمة العمى وظلمات الذل تذكرت قول الساحرة في أن عينيها ستكونان سبب سعادتها وسبب شقائها. وهكذا راحت زرقاء اليمامة ضحية عينيها من غير ذنب ولا جريرة! وفتنة الجمال إن استشرت في مجتمع ما لا تقل خطورة عن فتنة الحرب إن لم تكن أخطر وأمضى. وكان الأقدمون يمدحون في المرأة جمال أخلاقها وشمائلها وطيب منبتها وكرم عشيرتها وظهر ما يسمى بالغزل العذري الذي لا يتعرض لفحش الكلام ولا لسيء الألفاظ. بل كانت تلك الأسماء كليلى وسعاد ولبنى وغيرها في أغلبها أسماء رمزية لا وجود لصاحباتها إلا في خيال الشاعر. ذلك كان يوم كانت المرأة العربية مضرب المثل في العفة والشرف أما اليوم فماذا يجد الشاعر فيها حتى يمدحها؟ لقد كان تشوقه نظرة إلى وجهها وابتسامة ثغرها أما اليوم فأصبح الجمال سلعة ووسيلة فاستغل جمال المرأة المسكينة ـ المخدوعة من غيرها المخادعة لنفسها ـ حتى في التجارة فأصبحت رؤية صورة امرأة على غير صورة الحشمة أمراً مألوفاً على البضائع والسلع. بل ووصل الأمر بإحدى الفرق الضالة إلى الاعتقاد بأن إمعان النظر في مفاتن الجسد طاعة وتفكر في خلق الله وبديع صنعه. وإن أشعل الجمال شرارة الغرور في نفس صاحبه كانت بداية النهاية له كالفراشة الحمقاء التي تدور حول اللهب تباهيه بجمالها فتكون آخرتها رمادا تذروه الرياح. هل تعرفون حكاية (( التينة الحمقاء ))؟ إن كنتم لم تسمعوا بها فاقرءوا الأبيات التالية لإيليا أبي ماضي :
وتينة غصة الأفنان باسقة قالت لأترابها والصيف يحتضر (( لأحسبن على نفسي عوارفها فلا يبين لها في غيرها أثر))
إني مفصلة ظلي على جسدي فلا يكون به طول ولا قصر
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه فازينت واكتست بالسندس الشجر وظلت التينة الحمقاء عارية كأنها وتد في الأرض أو حجرُ
ولم يطلق صاحب البستان رؤيتها فاجتثها فهوت في النار تستعر
وأختتم مقالي بهذه الفقرة المقتبسة من كتاب (( أحلى السمر في سيرة عمر )) لمؤلفه الأستاذ محمد إبراهيم سليم : "كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يعس ليلة فسمع امرأة تقول : ألا سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج؟! فلما أصبح سأل عن نصر هذا وأرسل في طلبه فلما جيء به وجده من أحسن الناس شعراً وأصبحهم وجهاً فأمره أن يطم شعره ( يقلعه ) ففعل فظهرت جبهته فأزداد حسناً فأمره عمر أن يعتم ففعل فازداد حسناً فقال عمر : لا !! والذي نفسي بيده لا تكون بأرض أنا بها وأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة ولا ذنب له في جماله وإنما أراد عمر أن يقضي على الفتنة في مدينة الرسول وإلى هذا يشير حافظ بقوله : جنى الجمال على (نصر) فغربه عن المدينة تبكيه ويبكيها . وكم رمت قسمات الحسن صاحبها وأتعبت قصبات السبق حاويها . وزهرة الروض لولا حسن رونقها لما استطالت عليها كف جانبيها . كانت له لمة فينانة عجب على جبين خليق أن يحليها . وكان أنى مشي مالت عقائلها شوقاً إليه وكاد الحسن يسبيها . هتفن تحت الليالي باسمه شغفاً وللحسان تمن في لياليها . جززت لمته لما أتيت به ففاق عاطلها في الحسن حاليها. فصحت فيه : تحول عن مدينتهم فإنها فتنة أخشى تماديها . وفتنة الحسن إن هبت نوافحها كفتنة الحرب إن هبت سوافيها.
ويعلق المؤلف على البيت قبل الأخير بقوله : " أراد عمر رضي الله عنه بهذه الصرامة الحازمة أن يحارب في نفوس العرب كل ضعف يجعل للهوى سلطاناً عليها ذلك بأن القوة روح الإسلام وجوهره ". إذا فذلك الحكم العمري لم يكن تعسفياً وإنما كان عن فهم وإدراك لخطر الفتنة. وما أعظم عمر في حربه ضد الفتنة. وقديماً قالوا : (( إذا كان العنق الجميل موضع اهتمام صانع المجوهرات .. فهو موضع اهتمام حامل السيف أيضاً )).
وتينة غصة الأفنان باسقة قالت لأترابها والصيف يحتضر (( لأحسبن على نفسي عوارفها فلا يبين لها في غيرها أثر))
إني مفصلة ظلي على جسدي فلا يكون به طول ولا قصر
عاد الربيع إلى الدنيا بموكبه فازينت واكتست بالسندس الشجر وظلت التينة الحمقاء عارية كأنها وتد في الأرض أو حجرُ
ولم يطلق صاحب البستان رؤيتها فاجتثها فهوت في النار تستعر
وأختتم مقالي بهذه الفقرة المقتبسة من كتاب (( أحلى السمر في سيرة عمر )) لمؤلفه الأستاذ محمد إبراهيم سليم : "كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يعس ليلة فسمع امرأة تقول : ألا سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج؟! فلما أصبح سأل عن نصر هذا وأرسل في طلبه فلما جيء به وجده من أحسن الناس شعراً وأصبحهم وجهاً فأمره أن يطم شعره ( يقلعه ) ففعل فظهرت جبهته فأزداد حسناً فأمره عمر أن يعتم ففعل فازداد حسناً فقال عمر : لا !! والذي نفسي بيده لا تكون بأرض أنا بها وأمر له بما يصلحه وسيره إلى البصرة ولا ذنب له في جماله وإنما أراد عمر أن يقضي على الفتنة في مدينة الرسول وإلى هذا يشير حافظ بقوله : جنى الجمال على (نصر) فغربه عن المدينة تبكيه ويبكيها . وكم رمت قسمات الحسن صاحبها وأتعبت قصبات السبق حاويها . وزهرة الروض لولا حسن رونقها لما استطالت عليها كف جانبيها . كانت له لمة فينانة عجب على جبين خليق أن يحليها . وكان أنى مشي مالت عقائلها شوقاً إليه وكاد الحسن يسبيها . هتفن تحت الليالي باسمه شغفاً وللحسان تمن في لياليها . جززت لمته لما أتيت به ففاق عاطلها في الحسن حاليها. فصحت فيه : تحول عن مدينتهم فإنها فتنة أخشى تماديها . وفتنة الحسن إن هبت نوافحها كفتنة الحرب إن هبت سوافيها.
ويعلق المؤلف على البيت قبل الأخير بقوله : " أراد عمر رضي الله عنه بهذه الصرامة الحازمة أن يحارب في نفوس العرب كل ضعف يجعل للهوى سلطاناً عليها ذلك بأن القوة روح الإسلام وجوهره ". إذا فذلك الحكم العمري لم يكن تعسفياً وإنما كان عن فهم وإدراك لخطر الفتنة. وما أعظم عمر في حربه ضد الفتنة. وقديماً قالوا : (( إذا كان العنق الجميل موضع اهتمام صانع المجوهرات .. فهو موضع اهتمام حامل السيف أيضاً )).