الدروس الأولى في ... النفاق !!!
"يا أهل النفاق !! تلك هي أرضكم .. وذلك هو غرسكم .. ما فعلت سوى أن طفت بها و عرضت على سبيل العينة بعض ما بها .. فإن رأيتموه قبيحا مشوّها، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم .. ولوموا الأصل و لا تلوموا المرآة.
أيها المنافقون !! هذه قصتكم ، و من كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر".
((يوسف السباعي، أرض النفاق)).
====
منذ أكثر من عشرين عاما وخلال بعض سنوات دراستي الثانوية لم تكن مدرستي تركّز كثيرا على النظافة و الترتيب إلا في حالات
محدودة هي حالات زيارات اللجان الوزارية أو لجان مديرية التربية أو نحوهما، فكنا نشاهد المدرسة و قد تحولت إلى ما يشبه خلية النحل من التنظيف والترتيب لدرجة أن إدارة المدرسة كانت تستأجر عمالا باليومية للعمل في التنظيف!
و ربما كان ذلك أول الدروس التي وعيتها في النفاق!!
نعم! كانت دروسا غير مباشرة في النفاق الإجتماعي، والغريب أننا – أنا و زملائي – كنا نُدرك معنى ما يحدث و نتندّر به بعيدا عن أسماع المعلمين!!
النفاق الاجتماعي ذلك الوباء الخطير المستشري في مجتمعنا متخذا أشكالا تكاد لا تُحصى. إنها دروس خطيرة قد لا يعي معطوها خطورتها و تأثيرها المدمر على الأفراد و المجتمعات خصوصا حين تتأصل و تتحول على صفات شخصية تصاحبهم طوال حياتهم أو فترات طويلة منها.
النفاق الاجتماعي لا تقتصر آثاره على فرد أو فردين أو مجموعة صغيرة من الناس، بل تتعدى ذلك إلى أجيال من البشر يتأثرون به و لربما كان خبزهم اليومي. النفاق الاجتماعي يسهم في وصول أفراد إلى مراكز لا يستحقونها و بالتالي تتوالى أوجه الفشل حين لا ينجحون في إدارة الأمور فتكون النتائج كارثية.
النفاق الاجتماعي له صور عديدة؛ فالموظفون الذين يحولون مقر عملهم إلى "يوطوبيا" لأن مسئولا كبيرا سيزورهم في ذلك اليوم، و بمجرد انتهاء الزيارة يتحول المقر إلى "ديستوبيا" إنما يمارسون ضربا من ضروب النفاق الاجتماعي !!
و أولئك الذين أراقوا مياه وجوههم استجداء من صاحب مركز أو سُلطة في سبيل الوصول إلى هدف ما؛ هم أيضا منافقون يُظهرون الابتسامات و يُبطنون اللعنات! هاتان صورتان من صور النفاق الاجتماعي تتكرران دوما ولكن مع وجوه مختلفة في أزمنة مختلفة لأهداف خاصة.
ربما لن نرى مجتمعا دون نفاق أو منافقين؛ و لكننا نستطيع بعون الله ثم بعزيمة من أنفسنا أن نجعل بيننا و بين النفاق و المنافقين أسوارا ...