رثاء مكتبة


مر أكثر من عقدين من الزمان على رحلتنا مع تلك المكتبة التي "كانت" تضم أمهات كتب الفقه و التراث والآداب وغيرها من فنون العلم.مكتبة كان صاحبها يقطع المسافات الطوال بحثا عن كل جديد وفريد في عالم الكتب و المراجع. مكتبة جمعتنا فيها لقاءات ونقاشات مع فئة مثقفة قد انفرط عقدها! ولعل أهم من كان يحضر تلك الجلسات فضيلة الشيخ الراحل خلفان بن محمد الحارثي – طيب الله ثراه – إذ كان زينة المجلس وخير متحدث فيه. وعلى الرغم من صغر المساحة التي كانت تشغلها؛ إلا أن التنوع في المحتويات كان يظهرها بصورة تشد الزائر وتوحي إليه بأنه سيجد كل ما يبحث عنه. ضمت مكتبتنا مراجع قد لا تجدها في غيرها؛ كتب التاريخ و التربية و الفقه و الموسوعات، و كذلك حملت ملامح من فكر صاحبها الذي آمن بدور الكتاب، و كنت أشعر بالسرور كلما رأيت سفرا جديدا يصل إليها.
و دار الزمان دورته، و يبدو أن هواتف اللمس وبرامجها من "واتس أب" وغيره متضافرة مع برامج التواصل الاجتماعي كالفيس بوك و تويتر قد غزت الكتاب؛ فلم تستطع مكتبتنا الصمود وكانت الهزيمة!






هزيمة ظاهرية كاذبة!!






أجدبت الأرفف وتوقف تدفق الكتب بعد أن اتجه المجتمع بعيدا عن الكتاب والقراءة وانشغل كثير من الناس ببرامج الثورة الالكترونية التي أخذت تسحبهم حتى من أسرهم وأولادهم! لقد عاينت كثيرا من المواد المتداولة فوجدت أن أغلبها لا يزيد على الطرائف الفارغة والأخبار اليومية، ضحك وترفيه وتضييع للأوقات... ولقد تلقيت الكثير من طلبات الصداقة عبر الفيس بوك فأدخل إلى صفحات أصحابها فأجدها خاوية إلا من بضع صور أو بعضا من تعليقات جوفاء.هل أقفرت العقول حتى أصبحنا نرى مكتبات تغلق وأخرى تتحول إلى مجرد محلات للملابس الرياضية وأدوات رياض الأطفال؟
 
 إن مجتمعا تضمحل فيه أدوار المكتبات التنويرية و تتنامى فيه مؤسسات لا تخدم سوى جسد الإنسان بعيدا عن روحه لهو مجتمع جدير بالشفقة!صار لدينا بين كل محلين لتصفيف الشعر و التجميل محل ثالث تهدر فيه الساعات الطوال في السحج و التلطيخ لتظهر "جراد المقابر" في صور غير التي ألفها الناس!! إغراق في حاجات الجسد وإهمال لحاجات الروح، و النتائج وراء ذلك نراها رأي العيان خصوصا في جيل الشباب و الاتجاهات التي بدأت تظهر عندهم ...
 
لقد قيل إن "المعرفة قوة"، و في المقابل فإن الجهل ضعف و ضياع وإن الاسترسال في هذا الحديث سيقودنا إلى ديالكتية عقيمة لن توصلنا إلى نتيجة، فالمهم أن يكون هناك حسن تصرف ووعي ينقذ المجتمع – خصوصا الشباب – صونا للمستقبل.لقد قلت آنفا إن هزيمة مكتبتنا هي مجرد هزيمة ظاهرية كاذبة؛ لأن جهدا مخلصا لم يكن ليوصف بالهزيمة، و سيظل مذكورا عند المخلصين الذين كانوا يقصدون تلك المكتبة، و حسب صاحبها أنه خسر معركة ... و لم يخسر حربا !

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

حوادث المرور (نظرة أخرى)

إنارة العقول قبل إنارة الشوارع!

نقاط على الحروف ...