متى "نفهم" السيارة ؟!
قد يبدو العنوان غريبا ولكنه يعبر عن "المأساة" التي حلت بمجتمعنا في السنوات الأخيرة؛ فبعد أن كنا لا نسمع عن حوادث الطرق إلا لماما أصبحت أخبار هذه الحوادث تقع علينا وقع الفواجع لما فيها من وفيات وإصابات مهولة.
ما الذي حدث؟ ولماذا أصبحت حوادث الطرق عندنا من أعلى النسب؟
كان استخدام السيارات في فترة السبعينيات و الثمانينيات مثلا مقتصرا على رجال خبروا الحياة وقدّروا واحترموا كل ما حولهم فتراهم يقودون سياراتهم بتؤدة و انتباه و بسرعات معقولة حتى في المسافات الطويلة (كان هناك من يقطع الطريق لمئات الكيلومترات أسبوعيا) ولذا فإن الأخذ بالأسباب بعد التوكل على الله عز و جل هو ما كتب لهم السلامة من حوادث الطرق.
أظن أن صناع السيارات الرواد كأمثال (كارل بنز) و (هنري فورد) و (لويس شفروليه) إنما قصدوا من اختراع و تطوير هذه الآلة العجيبة أن يقدّموا للعالم وسيلة تسهم في التقدم الحضاري؛ إذ كانت تلك الفترة امتدادا للثورة الصناعية ولم يكن في حسبانهم أن تصبح هذه المركبة أداة قتل في أيدي المستهترين!
أعتقد بوجوب إعادة النظر في تعاملنا مع السيارة و ألا تقتصر النظرة إليها من قبل بعضنا على أنها وسيلة "للطيران المنخفض" وإزهاق أرواح الأبرياء. إننا لو تعاملنا مع الجماد بأسلوب قريب من تعاملنا مع البشر لأصبحت الأمور أفضل مما عليه الآن...
شعاع من الحضارة:
كان سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم صديقا للجماد كما كان صديقا للبشر؛ يعامل الجماد و كأنه كائن له روح و إحساس ... بمنتهى الأريحية التي لا تنبغي أن تكون إلا لمحمد! يقول الأستاذ العقاد في كتابه "عبقرية محمد": "... بل شمل عطفه الأحياء و الجماد كأنه من الأحياء، فكانت له قصعة يقال لها الغرّاء، و كان له سيف مُحلّى يسمى ذا الفقار، وكانت له درع موشحة بنحاس تسمى ذات الفضول، و كان له سرج يسمى الداج، و بساط يسمى الكز، و ركوة تسمى الصادر، و مرآة تسمى المدلة، و مقراض يسمى الجامع ... و في تسمية تلك الأشياء بالأسماء معنى الأُلفة التي تجعلها أشبه بالأحياء المعروفين ممن لهم السمات والعناوين، كأن لها "شخصية" مقربة تميزها بين مثيلاتها".
العقاد، عباس محمود. (د.ت). المكتبة العصرية. صيدا- بيروت. لبنان.
تقع الحوادث عندما يتعامل بعض السائقين مع سياراتهم خلافا لما صنعت له؛ فهذه سيارة قال عنها صانعها بأنها عائلية، فلماذا يجبرها صاحبها على السير بسرعات عالية؟ و تلك شاحنة ثقيلة فلماذا يقوم سائقها بـ "رالي" على الطريق؟ و أخرى قد صُنعت بمواصفات محددة ومعتمدة دوليا فلماذا تُخضَع للتعديل و للتجهيز لتنافس سيارات أخرى قد صممت لأغراض رياضية؟
إنني أدعو كل الآباء الذين يسلمون "أطفالهم" سيارات و يزودونها لهم بالوقود ويملئون جيوبهم بالمال أن يعلموهم كيفية استخدام هذه المركبة و كيفية احترام الآخرين و الحذر من تعريضهم للإصابة أو القتل.
و كم رأينا من الحوادث التي راح فيها الأبرياء قد تسبب بها مراهقون مدللون.
أتمنى أن يكون تعاملنا مع هذه الآلة تعاملا حضاريا يؤيد ما ندعيه من أننا وصلنا إلى مراحل متقدمة من استخدام التقنية و مسابقة الأمم الأخرى؛ يكون هذا التعامل على أساس أنها وسيلة من الوسائل التي أنتجتها لنا الحضارة في مسيرتها الحثيثة نحو التقدم ...